بيوتنا في الغربة هي اوطاننا الثانية من خاض تجربة الغربة يعرف هذا جيدا. انه المكان الوحيد الذي نتحدث فيه لغتنا الام دون حسابات, انه المكان الذى نستمتع فيه بالاستماع لاغاني بطعم الوطن, انه المكان الذي نتنسم فيه رائحة اوطاننا سواء كان صورة التقطناها مع من نحب قبل الرحيل أو من اشياء حملناها معنا و تذكرنا بكل جميل في بلدنا الام.
بيوتنا في الغربة لا تشبه بيوتنا في اوطاننا ولا تشبه البيوت في البلاد التي نعيش فيها و لكنها تشبهنا نحن , تشبه خلطة الهوية الخاصة بنا فلكل واحد فينا هوية خاصة به و الهوية هى اكبر صراع نواجهه في الغربة.
فلنتفق علي ان البيوت تعكس شخصياتنا وهويتتا لذلك فنحن نترتاح في البيوت التى نحب اصحابها, كما نشعر بالراحة في الحديث معهم, فكأننا نترك همومنا علي ابواب بيوتهم و بيوت اخري لا نرتاح فيها كما لا نرتاح لاصحابها.
تعكس بيوتنا في الغربة رؤيتنا للغربة فمنا من يري الغربة مرحلة في حياته لذا ستجد بيته دون تفاصيل بيت عابر وليس مقيم و منا من يري فى الغربه تجربة بحث عن وطن جديد يبحث فيه عن ما افتقده في وطنه فستجد بيته غارقا فى التفاصيل.
حتي مطابخنا لم تسلم من الشعور بالغربة, فتجد فيها وصفات جداتنا و امهاتنا و وصفات من جيراننا العربب ومعها وصفات من مهاجرات صديقات من بلاد لا نجيد لغتها ومع وصفات من بلدنا الجديد صنعناها بطعم غربتنا.
أما مشاهدة التلفازآخر ليلة فهو ايضا له طعم خاص لانه يعكس صراع داخلي بين حنينك وشوقك لمشاهدة فيلم او مسلسل او اخبار من بلدك الام حتي تتناسي ما لقيته فى يومك الطويل والذي تحدثت فيه بلغة في الاغلب الاعم غير مريحة بالنسبة لك و بين عقلك الواعي الذي يخبرك انه من الافضل لك متابعة فيلم بلغة بلدك الجديد حتى تتقنها او بحثا عن وسائل تساعدك على سرعة الاندماج فى مجتمعك المحيط.
الغربة والوحدة توأم لا يمكن له ان ينفصل مهما فعلنا, فالبعد عن الاهل والاحباب فى والذكريات التى تركناها وراءنا هناك تستدعى مشاعر الوحدة والحزن والقلق من المستقبل وما يحمله لنا لتظل بيوتنا هى الشاهدة على اوجاعنا والمؤنسة لايامنا.
أما ليالى الشتاء فهى حديث آخر يضيف الى بردها صقيع الاحساس بالوحدة فيدهشنا جمال صمتها و تجبرنا على مراجعة انفسنا وتقييم تجربتنا وعلاقاتنا وما كنا عليه وما اصبحنا فيه وما نأمل أن نكون عليه و لامانع من الدفء الذى يضفيه علينا الحنين والشوق للاماكن والاشخاص.
في كل مرة نغير فيها اقامتنا تأخذنا الذكريات الي يومنا الاول في الغربة و كيف تركنا وراءنا الجذور وحملنا انفسنا الى مجهول لانعرف عنه شيئا فنهون علي انفسنا التنقل من مكان الي مكان ومن مدينة الي اخري فلا شئ يوازى ما خلفناه وراءنا هناك فى الوطن.
بيوتنا في الغربة هي ممالكنا الخاصة التي نستقبل فيها فقط من نحب دون اي التزامات اجتماعية لنحتسي معا القهوة و نتبادل النقاشات عن امورنا االيومية و الحكاوي ثم يأخذنا الحنين لحديث لاينتهى عن الاوطان واحوالها والذكريات.
Comments